تعاليم لاهوتية فى النصوص الليتورجية - 3

3- عقيدة الله الآب أبو ربنا يسوع المسيح
عندما سأل التلاميذ ربَّ المجد قائلين "يارب علمّنا كيف نصلي[1] أجابهم قائلاً: "متى صلّيتم فقولوا أبانا الذي في السموات......الخ" 
وفي شرحه للصلاة الربانّية يقول العلاّمة أوريجانوس "لابد من أن نتفحص بإمعان, هل يوجد في العهد القديم صلاة واحده تدعو الله أباً. فحتى الآن ورغم كل أبحاثنا, لم نجد بعد شيئاً من هذا.
لا نريد أن نقول إن الله لم يُدعَ أباً أو أن المؤمنين الحقيقيين لم يُسمّوا أبناء الله. لكن لن نجد صلاة واحده يُدعي فيها الله أباً حسب التعبير المليء بالثقة الذي نقله إلينا المخلّص". ويتابع قائلاً: قد يحصل مراراً أن يُدعي الله أباً, وأن يُدعي الذين جاؤوا إلي كلمة الله أبناء. مثلاً في سفر التثنية: " الصَّخْرُ الَّذِي وَلَدَكَ تَرَكْتَهُ، وَنَسِيتَ اللهَ الَّذِي أَبْدَأَكَ." (18:32), وأيضاً: "ألْرَّبَّ تُكَافِئُونَ بِهذَا يَا شَعْبًا غَبِيًّا غَيْرَ حَكِيمٍ؟ أَلَيْسَ هُوَ أَبَاكَ وَمُقْتَنِيَكَ، هُوَ عَمِلَكَ وَأَنْشَأَكَ؟" (6:32).
 وبعد هذا: "وَجَدَهُ فِي أَرْضِ قَفْرٍ، وَفِي خَلاَءٍ مُسْتَوْحِشٍ خَرِبٍ. أَحَاطَ بِهِ وَلاَحَظَهُ وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ." (10:32). وفي أشعياء (2:1): « رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ". وفي ملاخي (6:1): " الابْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ، وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟"
.فإذا سمّينا الله أباً والذين ولدوا منه أبناء لأّنهم آمنوا بكلمته. يبقي أّننا لا نجد عند الأقدمين شيئاً مقولاً عن هذه البنّوة بصورة ثابتة وأكيدة. فالمقاطع التي أوردناها تدلّ علي أن الأبناء الذين نتحّدث عنهم هم عبيد. فالرسول يشهد علي ذلك: "مادام الوارث قاصراً فهو لا يختلف بشيء عن العبد رغم أنه سيّد كلّ شيء"بَلْ هُوَ تَحْتَ أَوْصِيَاءَ وَوُكَلاَءَ إِلَى الْوَقْتِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ أَبِيهِ.هكَذَا نَحْنُ أَيْضًا: لَمَّا كُنَّا قَاصِرِينَ، كُنَّا مُسْتَعْبَدِينَ تَحْتَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ". (غل2:4ـ3).
لقد جاء ملء الأزمنة مع تَجسَّد ربّنا يسوع المسيح, حين نال التبنّي ذوو الإرادة الصالحة كما يعلّمنا القدّيس بولس: "إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ:«يَا أَبَا الآبُ". (رو15:8). وإنجيل يوحنّا: (12:1) يقول "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" [2]
ولقد مَثلَّت هذه العقيدة أي أن "الله هو أبو ربنا يسوع المسيح" محور إيمان الكنيسة الأولي إذ عن طريق الابن المتجَسِّد صار لنا معرفة حقيقية وأمينه لماهية الله كونه أباً قد وَلَدَ أزليَّاً الابن المتجَّسد الذي هو في حضنه والذي يعرفه حق المعرفة "لا يعرف الآب إلاَّ الابن وحده" [3] وهكذا صارت للبشرّية معرفه عن ربنا يسوع المسيح وبواسطته تعرف الآب الذي هو الله أبو ربنا يسوع المسيح. 
ولهذا كانت هذا العبارة هي المفتاح الرئيسي في رسائل كل من القديس بولس والقديس بطرس. 
فنجد ق. بولس يبدأ رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس قائلاً: 
"مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَ " (2كو3:1)، وفي بداية رسالته إلي أهل افسس يقول: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيح" (اف3:1) 
ويفتتح ق. بطرس رسالته الأولي قائلاً: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" (1بط3:1).
وهنا يصير من الواضح أن هذه العقيدة كانت هي المحور الأساس في كرازة الرسل والتي استلم الآباء محتواها وحافظوا عليها في مواجهة كلَّ تعاليم الهراطقة. لهذا نجد أن القديس أثناسيوس يقول "إنه يكون أكثر تقوي وحق أن نتّعرف علي الله من خلال "الإبن" وندعوه "الآب" عن أن نسميّه من خلال أعماله فقط وندعوه غير المخلوق[4]
وعليه فالسبيل إلي معرفة الله هي عن طريق الابن. وهذا ما عبّر عنه القديس غريغوريوس اللاهوتي في القداس الإلهي عندما وجّه صلاته إلي الابن المتجسَّد بقوله إن الابن هو الذي "أظهر لنا نور الآب وأعطانا شركة الروح القدس الحقيقية" [5]
لقد كانت البشرية في حاجة إلي معرفة حقيقية عن كنيّة الله الذي خلقها بسبب صلاحه ومحبته، أما هي فقد ابتعدت عنه بالخطية وتناسته تمامًا وجعلت لها ألههً كثيرة وكاذبة فصارت حياتها بلا معني. 
وفي أكثر من موضع يصف ق. أثناسيوس الرسولي احتياج البشرّية لتَجسِّد الله الكلمة الذي اتاح للبشرية المعرفة الحقيقية لله الآب فتحوّلت حياة كلَّ مَنْ آمن به إلي حياة حقيقية مغبوطة فيقول: 
"الله بسبب صلاحه تحنَّن علي الجنس البشري ولم يتركهم بعيدًا عن معرفته لئلا يكون وجودهم في الحياة بلا أيّة منفعة. لأنه أيّة منفعة للمخلوقات لو أنها لم تعرف خالقها؟...ولماذا خلقهم الله طالما أنه لم يكن يريد لهم معرفته؟.. ولكي لا يحدث هذا، ولأنه صالح في ذاته، فقد جعل لهم نصيبًا في صورته الذاتي (الذي هو) ربنا يسوع المسيح، وخلقهم علي صورته ومثاله حتى أنه ـ بسبب ملء النعمة ـ فإنهم عندما يرون تلك الصورة أي كلمة الآب، يمكنهم عن طريقة أن يصلوا إلي معرفة الآب، وإذ يعرفون خالقهم فإنهم يحيون حياة حقيقية سعيدة مغبوطة" [6]
ويُرجِع ق. أثناسيوس أنه من أسباب تَجُّسد الله الكلمة هو أن يجعل البشر يعرفون الله الآب بعد أن كانوا قد زاغوا وضَّلوا وراء آلهة من البشر ومن الشياطين فيقول " ولأن البشر قد تركوا التأمل في الله وانحطت نظراتهم إلي أسفل كأنهم قد غاصوا في الأعماق، باحثين عن الله في عالم الحسَّيات، صانعين لأنفسهم آلهة من البشر ومن الشياطين، لهذا فإن محب البشر ومخلّص الجميع كلمة الله أخذ لنفسه جسدّا ومشي كإنسان بين البشر وجذب أحاسيس كل البشر نحو نفسه لكي يستطيع أولئك الذين يظنون أن الله له جسد مادي أن يدركوا الحق عن طريق الأفعال التي يعملها الرب بواسطة جسده وعن طريقة يعرفون الآب" [7]
ويُعبر ق. أثناسيوس عن إيمانه بما قاله المسيح له المجد أنه " لا يعرف الآب إلاّ الإبن وحده"[8]، قائلاً أنه " لم يكن ممكنًا أن يعلّم البشر عن الآب ويقضي علي عبادة الأوثان إلاّ الكلمة الذي يضبط كل الأشياء وهو وحده الإبن الوحيد الحقيقي" [9]
وعقيدة أن الله الذي نعبده هو أبو ربنا يسوع المسيح هي التي تدخلنا في شركة وعلاقة حميمة مع الآب والإبن، فكلَّ مَنْ قَبَلَ الإبن وكلمة الله الذي جاء إلي العالم من أجل خلاصنا يصبح ابنًا لله الآب بالتبني فتوهب له الإمكانية إن يدعو الله أبيه.
 وهذا المفهوم هو ما تحرص الكنيسة أن تصنعه أمامنا في كل صباح في صلاة باكر في قراءه الإنجيل حيث يقول ق. يوحنا: إن الإبن كلمة الله " إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ." [10]
ولقد شّدد مجمع نيقية المسكوني الأول علي مركزية [11] علاقة الآب بالإبن في الإيمان كله وأسبقيتها علي علاقة الخالق بالمخلوق والتي يجب أن تُفهم في ضوء علاقة الآب بالإبن وليس العكس كما أبرز اللاهوتيون بنيقية إن الفرق بين المدخل إلي معرفة الله من "خلال إبنه" وبكونه هو أبو ربنا يسوع المسيح وبين المدخل إلي معرفته من "خلال أعماله", هو الفرق بين مَنْ ولدَه الله من طبيعته الذاتية وما قد صنعه من العدم ويختلف إختلافًا كاملاً عن طبيعته.
 فنحن عندما نفكر ونتحدَّث عن الله من منظور "علاقة الخالق بالمخلوق" أو علاقة "غير المبتدي بالمبتدي", فإننا نستطيع فقط أن نفكر ونتحّدث عن الله بعبارات نفي عامة وغامضة, لأنه بسبب المسافة غير المحدودة التي بين المخلوق والخالق, فإننا لا نستطيع أن نعرف الله وفقًا لما هو في ذاته أو حسب طبيعته الإلهية أي معرفة الله فقط كما أعلن هو لنا ذاته وعرّفنا بأبيه ووهبنا شركة الروح القدس الحقيقية,
 كما سبق وأشرنا إلي صلاة القداس الغريغوري الذي يؤكد علي عمل الإبن المتجسّد في كشفه وإعلانه عن ماهية الله كونه هو أبيه وعن أنه يهب لنا شركة الروح القدس الحقيقية [12], لأنه من مدخل معرفة الله "من خلال أعماله" لا يمكننا أن نفعل شيئًا أكثر من محاولة التحدّث عن الله من خلال هذه الأعمال التي أوجدها بمشيئته وبواسطة "كلمته" أي من خلال ما يتعلّق بالله "من خارج", الأمر الذي لا يستطيع في الواقع أن يعرّفنا أي شيء عن مَنْ هو الله. 
والجدير بالإهتمام أننا عندما نسعى لمعرفة الله من خلال مخلوقاته, فإننا لن نعرفه كآب, بل سنعرفه فقط "كخالق" وفي هذا لن نكون أفضل من كل مَنْ يؤمن بالله كونه "خالق" فقط, وليس " أبو ربنا والهنا ومخصلّنا يسوع المسيح. لكن مَنْ يعرف الله "كآب" في إبنه "كلمة الله" ومن خلاله, فإنه سيعرفه أيضًا "كخالق" لأنه "بالكلمة" قد خَلَق كل شيء" [13]
ولهذا فإن صميم الإيمان الخلاصي, ليس هو مجرَّد الإيمان بالله ولكنه الإيمان به بكونه آب, وليس مجرَّد الإيمان بالمسيح لكونه إبن الله وبأنه ليس ضمن الخليقة بل بأنه هو الله الخالق المولود من الله الآب .
 وما كان صوت الآب من السماء واستقرار الروح مثل حمامة علي رأس المسيح وهو صاعد من الماء في المعمودية إلاّ إعلان وكشف عن أبوّة الله الآب وبنّوة ربنا يسوع وربوبيّة الروح القدس. وما كانت حادثة التجلّي إلاّ تكرار لهذا الإعلان والكشف أمام أعين تلاميذه عن هذه الحقيقة الأزليَّة إذ صار الصوت من السحابة معلنًا عن أبّوة الله الآب صارخًا "هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا" [14].
 وما طَلَبْ يسوع له المجد وسؤاله لتلاميذه عن مَنْ يقول الناس أني أنا, إلاّ الدخول بهم إلي عمق المعرفة الحقيقية لله كونه أبًا لربنا يسوع المسيح. وتلك المعرفة التي لن تتم إلاّ عن طريق الإبن الوحيد الذي في حضنه والذي خبّر [15],
 لهذا كانت "معرفة" ق. بطرس ورده علي هذا السؤال قائلاً: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!" هي انعكاس لذلك الإعلان الإلهي له" إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ"والذي استحق عليه التطويب [16], بل وصارت تلك المعرفة الحقيقية والإيمان بالله الآب في إبنه الوحيد بالروح القدس, هي الصخرة والأساس الذي بنيّت عليه الكنيسة, الأساس الذي سيدّعم كلَّ حياتنا ويسندنا ونحن نقتحم أعتي المواقف التي يُمتحن فيها إيماننا فنقوي علي هذه التحديات الإيمانية "وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" [17]
ويخبرنا ق. لوقا عن اختيار الرب للسبعين الآخرين وإرسالهم أثنين أثنين وعن قدومهم فرحين بعمل الرب معهم وخضوع الشياطين لهم باسمه, ويورد لنا صلاة يسوع قائلاً: في تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال" أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ" [18]
والتفاته إلي تلاميذه وقوله: "كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" [19]
وصلاة يسوع هذه التي أعلنت مسَّرة الآب أوضحَّت أن هذه المسَّرة صارت "هكذا" أي عندما عرفوا إنه هو "الإله الحقيقي" وحده وأيضًا يسوع المسيح الذي أرسله" فصارت لهم حياة أبدية وكتُبت أسمائهم في السموات. 
والتفات الربَّ لتلاميذه وكشفه لهم عن تلك العلاقة الأزليَّة بينه وبين الآب وعن هذه المعرفة المتبادلة بينهم بسبب وحدة الجوهر, وتشديده علي أن الدخول إلي تلك المعرفة لن يتأت إلاّ بارادة الإبن وحده, كل هذا يمثل أساس وجوهر إيمان السبعين الآخرين, هذا الإيمان الذي كرزوا به وإستطاعوا بواسطته أن يقيموا الآيات ويخرجوا الشياطين ويدوسوا الحيَّات, وهكذا صارت مسَّرة الآب, أي أن يُكرَز بالله أبو ربنا يسوع المسيح, ليس بواسطة السبعين الآخرين فقط بل وكما فعل بولس فيما بعد, كما سبق أن ذكرنا. 
ويورد ق. لوقا أيضًا أن يسوع قد انفرد بتلاميذه وقال لهم: 
«طُوبَى لِلْعُيُونِ الَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ وَمُلُوكًا أَرَادُوا أَنْ يَنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَلَمْ يَنْظُرُوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَم يَسْمَعُوا " [20]. 
والجدير بالذكر أن الكنيسة في وعيها بحقيقة "الله أبو ربنا يسوع المسيح" كأساس الإيمان وجوهر الكرازة,
قد ختارت قول المسيح لتلاميذه "علي أنفراد", لتضعه في صلاة الكاهن قبل قراءة الإنجيل لتعلن فيه أمام كل المؤمنين "جهارًا" أن أساس الكرازة بالإنجيل وأنتشاره هو الإيمان والشهادة بتجسُّد الإبن الوحيد الذي أعلن لنا نور الآب وأعطانا شركة الروح القدس الحقيقية وهو الأمر الذي أشتاق إليه وتطلَّع كثير من الأنبياء والملوك كي يتحقق في زمانهم, ولكن من قِبَل اتيان الإبن الوحيد صار لنا نحن المؤمنين به أن نهتف مع ق. بولس وبطرس قائلين: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ " [21]. 
كيف عبّرت النصوص الليتورجية 
عن هذه العقيدة: 
ولأهمَّية هذه العقيدة نجد أن الكنيسة قد حَرصِتْ علي ترديدها باستمرار في نصوص صلواتها الليتورجية فنجد ـ علي سبيل المثال ـ أنها تُعبّر عن شكرها الدائم لله فيما يسمي "بصلاة الشكر" داعيه إياَّه أبو ربنا يسوع المسيح، فنقول "فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله، أبا ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح" [22].
وفي صلاة رفع البخور وفي بداية أوشية الراقدين يصرخ الكاهن قائلاً: فلنسأل الله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح" [23]،
 بل وتتكرَّر هذه العبارة في بداية كلَّ من أوشية المرضي [24] وأوشية السلام بعد الإنجيل    [25] وأوشية الإجتماعات [26] وأوشية الآباء [27]
وفي القداس الإلهي عندما يخاطب الكاهن الله قائلاً" "مستحق ومستوجب"، يبدأ صلاته بقوله " أيها الكائن السيد الرب إله الحق الكائن قبل كل الدهور والملك إلي الأبد الساكن في الأعالي والناظر إلي المتواضعات الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها[28]
والملاحظ أن هذه الألقاب كلها تتعلّق بعلاقة الله بالخليقة. ولكي تتحقق مقولة القديس أثناسيوس السابق الإشارة إليها بضرورة "التعرَّف علي الله خلال "الإبن" بدعوته "الآب" كأمر يعكس التقوي عن أن نسمّية من خلال أعماله فقط وتدعوه "غير المخلوق"، نجد أن الكاهن يستطرد في هذه الصلاة بدعوة الله أنه " أبو ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح" [29] للتأكيد علي المعني السابق. 
ثم نتأتي إلي صلاة يتلوها الكاهن في مقدَّمة القسمة يشكره فيها " لأنه جعلنا أهلاً لأن أن نقف في هذا الموضع المقدس ونرفع إيدينا إلي فوق ونخدم إسمه القدوس" فيقول أيضًا "فلنشكر الله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح" [30]
وفي القداس الكيرلسى يبدأ الكاهن صلاة تقال بعد صلاة"أبانا الذي" يقول فيها "نعم أسالك يا الله الآب ضابط الكل"[31]
ونجد في قسمة للآب تقال في عيد القيامة والخماسين أنها تبدأ كالآتي " أيها السيد الرب الإله ضابط الكل أبو ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح" [32]
ومن كل هذا يصير من الواضح تمسّك الكنيسة بهذه العقيدة الإيمانية الهامة والتي حرص الآباء علي شرحها وترسيخها سواء في كتاباتهم العقيدية أو في النصوص الليتورجية. 

الدكتور / جوزيف موريس فلتس
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية 
باحث بالمركز الارثوذوكسى للدرسات الابائية 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]لوقا1:11. 
[2]أوريجانوس: في الصلاة PG. 11. 489-549. 
[3] متي27:11. 
[4] ق. أثناسيوس، ضد الأريوسيين 34:1. 
[5] الخولاجي المقدس. طبعة دير البراموس يونيو2002 ص326-327. 
[6] تجسد الكلمة: ترجمه عن اليونانية وتعليقات. دكتور جوزيف موريس فلتس. المركز الأرثوذكس للدراسات الآبائية. القاهرة ط6. فصل11، ص28ـ29. 
[7] المرجع السابق: فصل 15 ص43ـ44. 
[8] متي27:11. 
[9] تجسد الكلمة: مرجع سابق فصل20 ص56ـ57. 
[10] يو11:1ـ13. 
[11] اعتمدنا في هذا الجزء علي كتاب: توماس. ف. تورانس: الإيمان بالثالوث ترجمة د.عماد موريس اسكندر. مراجعة د. جوزيف موريس فلتس. مكتبة باناريون. القاهرة2007. الفصل الثاني ص65-106. 
[12] راجع الخولاجي المقدس. طبعة دير البراموس ص326 ـ327. 
[13] ق. أثناسيوس: ضد الأريوسيين 33:1. 
[14] لوقا35:9. 
[15] ق. هيلاري: (في الثالوث17:1 ,22:3 , 20:5 , 30:6). 
[16] أنظر مت17:16. 
[17] مت18:16. 
[18]لو21:10. 
[19]لو22:10. 
[20]لو23:10ـ24. 
[21] أف3:1 , 1بط3:1. 
[22] تتكرر هذا اللقب مرتين في صلاة الشكر التي في صلوات الأجبية أو في الخولاجي. 
[23] الخولاجي المقدس. دير البراموس طبعة ثالثة اكتوبر 2002م ص46. 
[24] أنظر أوشية المرضي. المرجع السابق ص50. 
[25] أوشية السلام. المرجع السابق ص89، وفي القداس ص195. 
[26] أوشيةالإجتماعات، المرجع السابق، ص97. 
[27]أوشية الآباء ، المرجع السابق، ص197. 
[28]الخولاجي المقدس "دير البراموس"، الطبعة الثانية 2002، ص219. 
[29]المرجع السابق. 
[30]المرجع السابق ص263. 
[31]المرجع السابق ص477. 
[32] المرجع السابق، ص523.