المشاركة الليتورجية

المشاركة في حياة الكنيسة
دعيت الإنسانية للعودة لليتورجية من خلال تجسد المسيح، لكي تشارك في حياة الكنيسة
عندما اتخذ المسيح الطبيعة البشرية، اتخذ كل إمكانيات كلٍّ من الجسد والنفس. بالتالي منحهما الشفاء، لأنه بحسب تعليم القديس غريغوريوس اللاهوتي:ما لا يُتخَذ لا يمكن أن يُشفى”.
لقد صار المسيح نفسه كلاً من الكاهن الأعظم والذبيحة. إنه هو نفسه الذبيحة، ويقدمها، ويقبلها. “لأنك أنت يا يسوع ربنا المقرِّب والمقرَّب، القابل والموزَّع….”.
يصبح العالم كله ليتورجية من خلال الإنسان. اليوم في عصر الكنيسة يبدأ الإنسان الاشتراك في الليتورجية الحقيقية. إنه يفلت من حالة “اللاليتورجيةالفوضوية، ويبدأ في العمل بطريقة صحيحة بالعودة إلى الليتورجية بشرط أن يريد هو نفسه ذلك وأن يجاهد بمساعدة النعمة الإلهية. الإنسان مدعو لأن يحيا ليتورجياً، فكيف يمكن له أن يفعل ذلك؟
- أولاً وقبل كل شيء، هو مدعو للحياة داخل الكنيسة التي هي مكان إلتقاء السماء بالأرض. إنه مدعو للاشتراك في الليتورجية الإلهية التي تحدث داخل الكنيسة. 
الليتورجية الإلهية هي دعوة للاشتراك في الشركة مع الله. نحن غير مدعوين “لحضور” الليتورجية الإلهية، ولكن للاشتراك فيها، وخصوصاً في المناولة المقدسة.
مع الأسف، أغلب الناس اليوم يحيون بدون الليتورجية. إنهم لا يشعرون بالحاجة للذهاب إلى الكنيسة والاشتراك في الليتورجيا. من وجهة نظر معاصرينا المنشغلين بالنشاط الاجتماعي، والمهمومين بالأشياء المادية وبالاستمتاع بالخيرات المادية، تكون الليتورجيا الإلهية يوم الأحد (القداس الإلهي) مجرد عادة، وأمر عتيق ينبغي أن يختفي لأنها لا تضيف شيئاً للإنسانية. إنها عادة خاصة بالمسنين. في الواقع، حتى أولئك الذين يحضرون الليتورجيا يشعرون أنه مجرد شيء يفعلونه يوم الأحد.
- ثانياً، المسيحي مدعو للتصرف بطريقة صحيحة وبصدق حتى لو كان يحضر الليتورجية ويذهب للكنيسة. ليست الليتورجيا الإلهية مجرد واجب يؤدى، لكنها تقدمة كل حياتنا لله. إننا ندخل في روح الليتورجيا بأن نعيش الليتورجيا حقاً كما يجب. تظهر لنا الليتورجية الإلهية صورة المسيح، صورة المسيح المتألم. لقد أخلى المسيح نفسه وأخذ شكل العبد (في7:2).
إننا مدعوون لتشكيل أنفسنا على صورة المسيح الآخذ شكل العبد. إننا نحتاج لاكتساب واستيعاب الاتضاع، والوداعة، والسلام، والتضحية وبذل الذات. عندما نكتسب محبة المسيح الباذلة والمخلية لذاتها فإننا نكون عائشين بطريقة “ليتورجية”.
حتى بعد انتهاء الليتورجية الإلهية، يكون المسيحي مدعواً للحياة في جو الليتورجيا في كل حياته اليومية، أي أن يتصرف بصدق وبطريقة صحيحة عندما يواجه مشاكل الحياة اليومية. لا يحيا المسيحيون بطريقة معينة في الكنيسة وبطريقة أخرى خارجها. 
الحياة خارج مبنى الكنيسة هي استمرارية لجو الإفخارستيا الإلهية داخلها. تنعكس الطريقة التي نحيا بها على مدار الأسبوع على الطريقة التي نتصرف بها داخل الكنيسة، وتشير الصلاة أثناء الليتورجية الإلهية إلى الطريقة التي سوف نحيا بها في حياتنا اليومية. فلو عاش المرء بطريقة نسكية طوال الأسبوع فإنه سيكون قادراً على الحياة بطريقة “ليتورجية” أثناء الليتورجية الإلهية في الكنيسة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على المرء أن يعيش بطريقة صحيحة، أي “ليتورجيا”، من جهة نفسه هو ذاته. ينبغي أن يكون المسيح هو مرجعية كل إمكانيات النفس الداخلية. 
بحسب تعليم القديس مكسيموس المعترف، للنفس ثلاثة جوانب رئيسية: الجانب العاقل، والجانب المريد، والجانب الحسي.
ينبغي علينا دمج الفضيلة المناسبة داخل كل جزء من النفس، بحيث تستطيع الأجزاء الثلاثة أن تعمل بطريقة صحيحة، أي “ليتورجية”، وفي اتحاد. 
يخبرنا القديس مكسيموس أنه ينبغي علينا أن نقمع الجانب الحسي للنفس بالحب، وأن نكبح الجانب المريد بضبط النفس، وأن نحرر الجانب العاقل بالصلاة، وعندئذ لن ينطفئ أبداً نور النوس. هذ هو في الواقع منهج الكنيسة النسكي.
ينبغي على المرء أيضاً أن يتصرف بطريقة صحيحة “ليتورجية” متكاملة من جهة الآخرين. عندما تتخلل روح الليتورجية الإلهية عالم المرء الداخلي ، فإنه يتصرف خارجياً كما ينبغي من جهة المحيطين به. الشخص صاحب النفس المتزنة يكون هو أيضاً متزناً في حياته داخل المجتمع. الذين يحيون الليتورجية بحق “لا يحتفظون بأي شيء لأنفسهم بطريقة أنانية. إنهم يقدمون ذواتهم بدون تحفظ. يعطون كل شيء لكي يتلقوا كل شيء. إنهم يموتون لكي يحيوا، ويقدمون كل شيء في المسيح ومن أجل المسيح”(الأرشمندريت جورج كابسانيس).
ينبغي علينا أن نتعلم أن نعيش بطريقة صحيحة “ليتورجية” وليس في الفوضى التي هي مناقضة لروح الليتورجية. ينبغي علينا أن نهرب من تلك الحالة ونحيا في الليتورجية الحقيقية. أولئك الذين يعيشون الليتورجية هم أناس حقيقيون، لأن العمل بطريقة “ليتورجية” يعني العمل بحسب الحق، ويعني أن تقديم الذبيحة بطريقة صحيحة يفيد الجنس البشري.


الميتروبوليت ييروثيوس فلاخوس