التلحين الليتورجى

لقد وعدتُ أن أتكلَّم [1] عن الخدمة بالتسبيح والمزامير، فسأُوفي بوعدي في هذه العظة.
إنني لا أرى أن هناك وقتاً أفضل من هذا الذي فيه يَعتبر أبناءُ النور, الليلَ مثل النهار، والذي يمنحنا فيه الليل السكون والهدوء، والذي فيه نُمارِس هذه الخدمة. 
فهذا هو وقت الحديث عن التلحين الليتورجي حيث اجتمعنا معاً لهذا الغرض.
إنني أُدرك أنَّ البعضَ منَّا يعتبرون أن تلحينَ المزامير والتسابيح أمرٌ غير ضروري. فهُم يَرَون أنَّ ما نُرتِّله باللسان يكفي أن نقوله بالقلب. وهم يبنون رأيهم على الآية: «امتلئوا بالروح، مُكلِّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مُترنِّمين ومُرتِّلين في قلوبكم للرب» (أف 5: 19،18) .
وهذا يعني أن نُرتِّل في قلوبنا ولا نُحدِث ضجيجاً بالنغمات الموسيقية مثل الممثلين على المسرح؛ لأن الله، الذي يفحص القلوب، يكفيه أن يكون ترتيلنا صامتاً وفي القلب.
أما أنا فلي وجهة نظر مختلفة : فبالطبع لا يوجد خطأ في الترتيل بالقلب، لأن التأمُّل بالقلب في أمور الله إنما هو أمرٌ صالح على الدوام؛ ولكنني أعتقد أيضاً أنه أمرٌ جديرٌ بالثناء أن يُمجِّد الناس الله بأصواتهم.
إثبات أهمية التلحين من الكتاب المقدس
وسوف أثبت ذلك بتقديم عدة نصوص من الكتاب المقدس. ولكن يجب عليَّ أولاً أن ألجأ إلى نصِّ الرسول (بولس) ذاته لكي أُفنِّد به حماقة الذين يدينون التلحين الصوتي.
حقّاً، بالطبع، إن الرسول قال: «امتلئوا بالروح، مُكلِّمين بعضكم بعضاً بمزامير». لكنه أيضاً قَصَدَ، ليس بدرجة أقل، أن نفتح أفواهنا ونُحرِّك ألسنتنا ونُطلق شفاهنا لسبب بسيط، هو أنه لا يستطيع أحدٌ أن يتكلَّم بدون تلك الأعضاء. فالتكلُّم والصمت يختلفان كاختلاف السخونة والبرودة. لاحِظوا أنَّ الرسول يقول: «مُكلِّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية»، فهو بالتأكيد ما كان يذكر الأغاني الروحية لو كان يريد أن يكون المرتِّل صامتاً تماماً. 
فالحقيقة البسيطة هي أنه لا يستطيع أحدٌ أن يرتِّل ويظل صامتاً في نفس الوقت. وعندما يقول الرسول: «في قلوبكم»، فهو يريد أن يُحذِّرنا ألاَّ نُرتِّل بأصواتنا وحدها بدون أي شعور في قلوبنا. وهكذا أيضاً، فإنه في نصٍّ آخر يقول: «أُرتِّل بالروح، وأُرتِّل بالذهن أيضاً» (1كو 14: 15)، فهو يقصد الترتيل بالصوت والذهن كلاهما معاً.
أما الاعتراض على التلحين فهو من اختراع الهراطقة [2]. فعندما يبرد إيمانهم يخترعون الأسباب لرفض التلحين. فهُم، بذلك، يخفون كراهيتهم للأنبياء، ولا سيما النبوَّات الخاصة بالخالق. إنهم، تحت مظهر تَقَوي، يحاولون إسكات كلام الأنبياء، وفوق كل شيء أناشيد داود السماوية.
أيها الأحبَّاء، لقد تربَّينا على كل تعاليم الأنبياء والأناجيل والكتابات الرسولية. فلنضع أمام عيوننا كل ما قاله وعمله أولئك الذين ندين لهم بكل ما نحن عليه. دعونا نحتكم لسلطان الذين تكلَّموا من البداية، لكي نُثبت كيف أنَّ الأناشيدَ الروحيةَ مرضيةٌ عند الله.
وإذا تساءلنا عمَّن هو أول مَن أدخل هذا النوع من الترتيل، لعلمنا أنه موسى النبي. فقد رتَّل لله لحناً رائعاً بعد أن أُصيبت مصر بالضربات العشر، وغرق فرعون، وتحرَّك شعب إسرائيل نحو البرية وهم ممتلئون بالفرح بالعبور المعجزي للبحر الأحمر. فقد سبَّح موسى الرب قائلاً: «فلنسبح الرب لأنه بالمجد تمجَّد» (خر 15: 1) [3] .
إذن، فأول مَن أسَّس خوارس مرتِّلين هو موسى النبي قائد قبائل إسرائيل. وقد جعل من الرجال والنساء جوقتين، حيث جعل من نفسه ومريم أُخته قائدَيْن، فعلَّمهم أن يُرتِّلوا لله لحن النصرة. ثم رأينا دبورة - النبيَّة المتميِّزة المذكورة في سفر القضاة - تؤدِّي نفس الخدمة (نشيد دبورة وباراق بعدما انتصر شعب الله – انظر سفر القضاة، الأصحاح الخامس).
كما أنَّ موسى أيضاً، عندما كان على وشك مفارقة هذه الحياة، رتَّل نشيداً مُلهَماً ومهوباً (تث 32). وقد ترك هذا النشيد نوعاً من العهد لشعب إسرائيل، لكي يتعلَّموا نوع المناحة التي يجب أن يتوقَّعوها إذا تخلَّوْا عن الله. والويل للذين رفضوا التخلِّي عن الخرافات المُحرَّمة بعد سماعهم مثل هذا الإنذار الواضح.
داود النبي هو أمير المرتِّلين
بعد ذلك ستجدون الكثير من الرجال والنساء الذين رتَّلوا بأسرار الله وهم ممتلئون من روح الله، وكان منهم داود النبي الذي مُنِحَ في صباه دعوةً خاصةً لهذه المهمة، وبنعمة الله صار أميراً للمُرتِّلين، وترك لنا كنزاً من الترتيل. لقد كان ما يزال صبياً عندما أخضع الروح الشرير الذي كان يعمل في شاول الملك بترتيله الحلو القوي بقيثارته (1مل 16: 14-23).
ليس لأنه كان في القيثارة أي نوع من القوة؛ بل لأنها، بإطارها الخشبي وأوتارها المشدودة، كانت ترمز لصليب المسيح. لقد كان يرتِّل بآلام الرب، وهي التي أخضعت روح الشيطان.
ستجدون في مزامير داود النبي كل ما أمكن أن يساعد في تهذيب وتعزية الرجال والنساء من جميع الطبقات والأعمار. المزمور يواسي الحزانى، ويُخفِّف من انفعال الفرحين، ويُهدِّئ الغاضبين، ويُعزِّي الفقراء، ويُحرِّك ضمائر الأغنياء. المزمور يُقدِّم دواءً لجميع الذين يقبلونه بمَن فيهم حتى الخطاة، الذي يجلب لهم شفاء التوبة المقدسة والدموع.
لقد أعدَّ الله، بالروح القدس بواسطة داود خادمه، دواءً قوياً بما يكفي لعلاج جروح الخطيئة، ولكنه حلو المذاق بسبب اللحن الذي يُنشَد به. لأنه، عندما يُرتَّل مزمورٌ يحلو للأُذن، فهو يَدخل إلى النفس، لأنه مُسِرٌّ ويمكن حفظه بسهولة إذا تمَّ تكراره مراتٍ عديدة.
ألحاننا تحتوي على كل ما هو مُعزِّي
الاعترافات، التي لا يمكن لصرامة القانون أن تنتزعها من القلب، تتم عن طِيب خاطر تحت التأثير الحلو للنشيد؛ إذ تحتوي تلك الأناشيد، للذين يتأمَّلون فيها، كل ما هو مُعزِّي مما جاء في الناموس والأنبياء وحتى الأناجيل. فإنَّ أسرار المسيح يتم التغنِّي بها. التجسُّد يُشار إليه بوضوح، والأكثر من ذلك يُشار إلى رَفْض المسيح من قِبَل الشعب الجاحد له والترحيب به بين الأُمميين. معجزات الرب يُتغنَّى بها، وآلامه الموقَّرة توصَف، وقيامته المجيدة تتجلَّى، كما يُذكَر جلوسه عن يمين الآب. 
وبالإضافة إلى كل ذلك، يُعلَن مجد الرب في سحابة المجد، ودينونته الرهيبة للأحياء والأموات تُستَعْلَن. أتوجد حاجة لقول المزيد؟ يوجد أيضاً في المزامير التنبُّؤ عن إرسال الروح الخالق، وتجديد العالم الذي سيتبعه الملكوت الأبدي للأبرار في مجد الرب، والعقاب الأبدي للأَثَمَة.
هذه هي أناشيد كنيسة الله. هذه هي الأناشيد التي تمتلئ بها حناجرنا هنا في جماعتنا هذه. إنها ليست تسليةً للمرتِّل بقدر ما هي مسئولية. إنها تُطفئ الأهواء بدلاً من إثارتها. وبلا شكَّ، فإنَّ هذه الأناشيد مرضية عند الله، حيث إنَّ كل شيء يتعلَّق بها موجَّهاً فقط إلى تمجيد الخالق. 
ومُرنِّم المزامير الذي قال: «كل نسمة فلتُسبِّح الرب» (مز 150: 6)، وهكذا يحثُّ كل واحد وكل شيء لتسبيح الله الضابط لهم جميعاً؛ قال أيضاً: «أُسبِّح اسم الله بتسبيح، وأُعظِّمه بحمد» (مز 69: 30): وبذلك فهو بعد أن يُقدِّم التسبيح بنفسه، يُضيف قائلاً: «فيُستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف» (مز 69: 31)؛ إذ يُقدِّم شيئاً أكثر سموّاً، ذبيحة روحية أعظم من كل ذبائح الحيوانات، وهذا هو ما ينبغي أن يكون. ففي مثل تلك الذبائح كان يُسفَك دم حيوانات غير عاقلة. 
أما التسبيح العاقل، فيُرفَع من القلب ومن ضمير صالح. وبالحق قال الرب: «ذبيحة الحمد تُمجِّدني، وها هو الطريق الذي بواسطته أُريه خلاص الله» (مز 50: 23 سبعينية). فسبِّحوا الرب، إذن، في حياتكم، وقدِّموا له ذبيحة تسبيح، وبذلك تُظهِرون في نفوسكم الطريق الذي به تأتون إلى خلاصه.
تسبيحنا يُبهج الرب
التسبيح الصادر من ضمير نقي يُبهج الرب، وهكذا فإنَّ المرتِّل يحثُّنا بقوله: «سبِّحوا الرب لأن المزمور جيد، ولإلهنا يلذُّ التسبيح» (مز 147: 1 سبعينية). وإذ يُدرك المرنِّم بذلك كيف أنَّ هذه الخدمة مرضية عند الله؛ يقول أيضاً: «سبع مرات في النهار سبَّحتك» (مز 119: 164) .
ويُضيف إلى ذلك وعداً آخر بقوله: «ولساني يلهج بعدلك، اليوم كله بحمدك» (مز 35: 28). فبدون شكٍّ أنه كانت له خبرة بالصلاح الذي تؤدِّي إليه هذه الخدمة، لأنه يُذكِّرنا بقوله: «أدعو الرب بالتسبيح فأتخلَّص من أعدائي» (مز 17: 4 سبعينية). إنه حطَّم، وهو صبي، قوة جليات الجبَّار الهائلة بمثل درع الحماية هذا، وفي أحداث أخرى عديدة خرج منتصراً على المحتلين.
استبدال الآلات الموسيقية بأصوات المُصلِّين
لقد ترك العهد الجديد [4] الممارسات الجسدية مثل الختان والذبائح؛ وهكذا ترك أيضاً الأبواق والقيثارات والصنوج، إذ لدينا الآن عِوَضاً عنها بديلاً موسيقياً أفضل هو أفواه الناس.
أما الفضائل الروحية فقد ازداد عمقها في العهد الجديد بما في ذلك الترتيل بالمزامير. فنجد أنَّ زكريا، والد المعمدان، بعد صمته الطويل، نطق بنبوَّة على شكل تسبيح (لو 1: 67-79). وعندما وُلد المسيح، رتَّل جيش من الملائكة قائلين: «المجد لله في الأعالي...». كما أنَّ الأطفال في الهيكل رفعوا أصواتهم لدى دخول المسيح أورشليم قائلين: «أوصنَّا لابن داود» (مت 21: 15)، وهو ما أغضب الفرِّيسيين بالأكثر. ولكن الرب قال لهم: «أَمَا قرأتم قط: من أفواه الأطفال والرُّضَّع هيَّأتَ سُبحاً؟» (مت 21: 16)، كما قال: «إنْ سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ» (لو 19: 40). بل إنَّ الرب ذاته أظهر كيف أن خدمـة التسبيح مُسِرَّة عندمـا لم يخـرج إلى جبل الزيتون إلاَّ بعد أن سبَّح مع تلاميذه (مت 26: 30). وبعد هـذا الدليل، كيف يمكن لأحد أن يشكَّ في القيمة الروحية للمزامير والألحان؟ فها هو الذي تعبده وتُرتِّل له الملائكة في السماء، قد سبَّح مع تلاميذه.
ونعلم أيضاً أنَّ الرسل فعلوا ذلك، فلم يتوقَّفوا عن التسبيح حتى وهم في السجن، كما فعل بولس وسيلا وكان «المسجونون يسمعونهما» (أع 16: 25). وخاطب بولس الرسول أنبياء الكنيسة قائلاً: «متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور (أو تسبيح)... فليكن كل شيء للبنيان» (1كو 14: 26)، وقال أيضاً: «أرتِّل بالروح، وأرتِّل بالذهن أيضاً» (1كو 14: 15). ويعقوب الرسول أيضاً قال: «أَمسرورٌ أحدٌ فليُرتِّل» (يع 5: 13).
ويوحنا الرائي يروي في سفر الرؤيا، أنه عندما استعلن الروح ذاته له، رأى وسمع «كصوت جمع كثير، وكصوت مياه كثيرة، وكصوت رعود شديدة، قائلة: هلليلويا، فإنه قد مَلَكَ الرب الإله... لنفرح ونتهلَّل ونُعطِه المجد» (رؤ 19: 7،6). مِن كل ذلك نستنتج أنه لا شكَّ أن هذه الخدمة، إذا احتُفِلَ بها فقط بإيمان وتقوى حقيقيَّيْن، تكون واحدة مع خدمة الملائكة الذين - كما نعلم - لا يُعيقهم نومٌ أو أية مشغولية أخرى، وفي السماء لا يكفُّون عن تسبيح الرب ومباركة المخلِّص.
أعطانا الله نعمة أن نُنشد بعجائبه
طالما أنَّ هذه الأمور هكذا، أيها الإخوة، فلتكن لدينا ثقة كاملة في إتمام خدمة التلحين. ولنؤمن أننا قد أُعطينا نعمة عظيمة جداً من الله، الذي منحنا أن ننشد بعجائب الله الأزلي، بمشاركتنا للعديد من القدِّيسين العظماء والأنبياء وحتى الشهداء. إننا نعترف له مع داود ”أنه صالح“، ومع موسى نرتِّل بهذه الأناشيد العظيمة لمجد الروح القدس.
ومع حنَّة – التي هي رمزٌ للكنيسة، التي كانت عاقراً وهي الآن مُثمرة – نُقوِّي قلوبنا في حضرة الله. ومع إشعياء نظل ساهرين في الليل، ونرافق حبقوق في التسبيح. ومع الآباء الأطهار: يونان وإرميا، نضم الترتيل إلى الصلاة. ومع الثلاثة الفتية في الأتون ندعو كل مخلوق إلى مباركة الرب، ومع العذراء القديسة تُعظِّم نفوسنا الرب.
هل يوجد فرح أعظم من إبهاج أنفسنا بالمزامير، وتغذية أرواحنا بالصلاة، وبالفصول التي نقرأها؟ إننا نكون مثل الضيوف الذين يتمتعون على المائدة بمختلف أنواع الطعام؛ هكذا تحتفل نفوسنا بوليمة الفصول والألحان الثمينة. هَلُمَّ، يا إخوة، نُسرُّ بالله، بالتلحين بانتباه وتيقُّظ ذهن دون أن يتشتَّت بكلام باطل، لأنه هكذا يدعونا المزمور بقوله: «رنِّموا لملكنا رنِّموا، لأن الله ملك الأرض كلها» (مز 47: 6). أي يجب أن نرنِّم بعقولنا، وليس بالروح وحدها، بل أيضاً بأذهاننا. 
فينبغي أن نُفكِّر فيما نرتِّله لئلا نفقد ثمرة جهدنا بالكلام المُشتِّت لأذهاننا والأفكار الغريبة. ينبغي أن يكون صوت ونغم ترتيلنا بطريقة تَقَويَّة لائقة. فيجب ألاَّ يكون مثيراً melodramatic ؛ بل استعلاناً للمسيحية الحقيقية فينا. ويجب ألاَّ يكون فيه شيء مسرحي (أي مُصطنع أو مُتكلَّف)؛ بل أن يدفعنا إلى الحزن بسبب خطايانا!
نُرتِّل معاً بانسجام وبدون نشاز
وبالطبع، يجب أن تُرتِّلوا جميعاً بتآلف وانسجام بدون نشاز. وينبغي ألاَّ يرتِّل واحدٌ بصوت مُنخفض، بينما يرفع آخرَ صوته. فيجب أن يُطلَب من كل واحد الجزء الذي يخصه باتضاع وبانسجام مع الخورس ككل. وينبغي أَلاَّ يرتِّل واحد بطريقة غير لائقة، سواء أسرع أو أبطأ من الآخرين، كأنَّ ذلك للمباهاة الباطلة أو لأجل اكتساب مديح بشري. فإنَّ الخدمة كلها ينبغي أن تتمَّ في حضرة الله، وليس بمظهر يُرضي الناس. وبخصوص انسجام الأصوات، أمامنا نموذج ومثال الثلاثة الفتية القديسين الذين يُخبرنا عنهم دانيال النبي: «حينئذ سبَّح الفتيان الثلاثة لله بفمٍ واحد، وباركوه، وهم في الأتون قائلين: مباركٌ أنت أيها الرب إله آبائنا...» (دا 3: 52،51 سبعينية)
فها أنتم تَرَون أنه لأجل تعليمنا كُتب أنهم سبَّحوا الله بصوتٍ واحد باتضاع وتقوى. إذن، فلنسبِّح جميعاً معاً كما بفمٍ واحد، ولنضبط جميعاً أصواتنا بطريقة واحدة. وإذا لم يتمكن أحدٌ من أن يُسبِّح بشكل متناغم مع الآخرين، فمِن الأفضل أن يُسبِّح بصوت منخفض بدلاً من حجب صوت الآخرين. وبذلك فهو يأخذ نصيبه من الخدمة بدون الشوشرة على التسبيح الجماعي؛ فإنه ليس كل واحد، بالطبع، له صوتٌ موسيقي مرن.
لقد قيل إن القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة (الذي استُشهِد عام 258م) دعا صديقه دوناتوس، الذي كان يَعلم أنه مُلحِّنٌ جيد، لكي ينضمَّ إليه في الخدمة قائلاً:
[ هَلُمَّ نقضي اليوم كله في فرح حتى لا تكون ساعة واحدة من العيد بدون نغمة سماوية. وليكن العيد مدوِّياً بالتسابيح حيث إنَّ لديك ذاكرة قوية وصوتاً موسيقياً. فتعالَ إلى هذه الخدمة بانتظام، فإنك ستُغذِّي أحبَّاءك إذا أعطيتنا شيئاً روحياً نستمع له. يوجد أمرٌ مُغرٍ بخصوص الحلاوة الروحية، وأولئك الذين يُرتِّلون حسناً لهم نعمة خاصة لاجتذاب المستمعين لهم إلى حياة التقوى] [5] .
وإذا كانت أصواتنا بدون خشونة ومتناغمة مع الدفوف الجيدة العزف، يكون ذلك مُفرحاً لنفوسنا، ومصدر تهذيب للذين يسمعوننا. وإنَّ الله الذي هو «مُسْكِن المتوحِّدين (أي المتآلفين معاً) في بيته» (مز 68: 6) سوف يجد تسبيحنا المتآلف مقبولاً لديه.
عندما نُسبِّح يجب على الكل أن يشترك في التسبيح. وعندما نُصلِّي يجب على الكل أن يُصلِّي. وعندما يُقرَأ فصلٌ من الكتاب ينبغي على الكل أن يظل صامتاً.
فلا نتعجَّبن، إذن، إذا نبَّه الشماس الجميع لكي يفعلوا كل شيء معاً. الله يحب المتآلفين بنفسٍ واحدة، وهم يكونون مبارَكين لأنهم يُسبِّحون الله إلى الأبد.

+++

للاب نيكيتا اسقف رمسيانا .. 
هو من آباء القرن الرابع (335-414م)، وقد عاصر جهاد الكنيسة ضد الآريوسية، ودافع عن إيمان مجمع نيقية ولاهوت الروح القدس. وقد استقينا معلوماتنا عن حياته ونشاطه الرعوي وما كتبه عن التلحين الليتورجي من صديقه المعاصر له: بولينوس أسقف نولا الذي سمَّاه ”الأب القديس“. وكان نيكيتا أسقفاً لرمسيانا التي تقع جنوب شرق صربيا حالياً. وكان قد كرز باسم المسيح بين قبائل إقليم ”داكيا“ (بلغاريا ورومانيا حالياً) لعدة سنوات، وأدَّت كرازته إلى ثمار مُفرحة. كما كان مؤلِّفاً للألحان الليتورجية باللغة اللاتينية. وعظته هذه عن ”التلحين الليتورجي“ تُسلِّط الضوء على التسبيح في الكنيسة الأولى.

المصدر 
مجلة مرقس العددان 546 – 547 
سبتمبر واكتوبر 2013 
وايضا – الموقع الرسمى لدير القديس مكاريوس – برية شهيت – مصر 
stmacariusmonastery.org

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] The Fathers of the Church, Vol. 7, p. 65. 
[2] لعله يقصد الهراطقة الذين رفضوا العهد القديم مثل ماركيون وماني. 
[3] وهو الهوس الأول في تسبحتنا اليومية، ويبدأ بلحن " فلنُسبِّح الرب " في عيد العنصرة وصوم الرسل بهذه الكلمات 
[4] The Fathers of the Church, Vol. 7, p. 65. 
[5] Epist. Ad Donatum, 16.